باب الحارة الجزء 5 الحلقة السادسة والعشرون

مشاهدة الحلقة السادسة والعشرون

ماذا تشاهد في رمضان؟!.. سؤال متداول بكثافة في هذه الأيام المباركة، أما الإجابات فهي متعددة ومتنوعة... بل ومتناقضة أحياناً!!.. فالبعض "يلوذ" بالأعمال التاريخية، فيما يفضل آخرون التنقل من محطة إلى أخرى حسب ما يقتضيه المزاج وواقع الحال، لكن الجميع متفقون فيما يبدو، على أن الموسم الرمضاني هو أشبه ما يكون بـ"الدوامة"... حيث الأعمال كثيرة ووافرة، ومن الصعب؛ بل من المستحيل متابعتها كلها، الأمر الذي يدفع بعض المتابعين "المواظبين" على إعداد جدول خاص بالمسلسلات والبرامج التي يودون متابعتها، بينما يبقى البعض الآخر على مزاجيته التي تقوده للتنقل بين المحطات.

"فوبيا رمضانية"

يتحدث كثيرون عن التشابه القائم بين صورتي الواقع الدرامي والمائدة الرمضانية، فكما أن المائدة الرمضانية "بحكم العادات المتوارثة" يجب أن تكون عامرة بما لذ وطاب من الوجبات المنوعة والأشربة المختلفة والحلوى - كل حسب استطاعته - كذلك الحال بالنسبة للموسم الرمضاني، الذي يرى القائمون على تنفيذ أعماله وجوب احتوائه هو الآخر على وجبات متنوعة وغنية، تلائم "قدر المستطاع" مختلف الأذواق والأعمار.. ولكن؟!.. هل تحولت الدراما السورية "إنتاجياً" إلى "فوبيا رمضانية" تجهد لتلبية "توصيات" و"رغبات" الجهات الممولة؟!.. ولماذا لا يبحث "صنّاع القرار الدرامي" في سورية، في السبل الناجعة للاستفادة من الطاقات السورية على مدار العام على صعيدي الإنتاج والتمثيل، وهي طاقات مشهود لها بالكفاءة والتميز؟!.. وبذلك يمكن للعمل الدرامي السوري الخروج من دائرة المساومة، ولنقل بعبارة أدق: الابتزاز.. ولماذا لا يكون التوجه لأن تكون هذه الدراما سورية خالصة، بدل "الارتهان" لرأس المال "الوافد" والذي يحاول بكل ما أوتي من إمكانات أن يملي شروطه و"رؤاه".. ونحن كنا استبشرنا خيراً – ولا نزال – بإطلاق مؤسسة وطنية سورية تعنى بالإنتاج وتوفر له "البيئة الصالحة" ولكننا حتى اليوم لم نر انعكاسات ملموسة على أرض الواقع.

تنويعات على مقام الدراما

ونتساءل أيضاً: لماذا اعتبر البعض التوجه إلى ما أطلق عليه تسمية "دراما العشوائيات" في مرحلة ماضية قريبة، أمراً غير ضروري، ونوعاً من "الانغماس" في نمط درامي غير ذي جدوى!!.. وفي هذا ما يثير الاستغراب والتعجب!!.. ذلك أن الفن في جوهره تسليط للضوء على مشكلات الواقع، وطرح الأسئلة والتحريض للبحث عن حلول... وإذا كان هذا النوع الدرامي غير مجد برأي معارضيه، فهل يكون الحل الأكثر جدوى هو في العودة "المكرورة" إلى الماضي لاستنساخ توائم "مشوهة" لا تغني ولا تسمن من جوع؟!.. أو إنتاج أعمال "مشوشة" خارجة عن إطاري الزمان والمكان، أو "الاتكاء" بشكل كبير على التلميح بدلاً من التصريح "الدبور- بعد السقوط"، أو الاصطدام "الفج" بـحاجز اللهجات المحلية، والتي أخفق كثير من الفنانين المشاركين في أدائها دون أن يكون هناك مبرر حقيقي لاستخدام هذه اللهجة أو تلك "لعنة الطين – زلزال" أو التوجه نحو نمط كوميدي فج يعتمد تكريس "البطل المطلق" الذي يحق له ما لا يحق لغيره "أبو جانتي ملك التكسي".. وهنا نسأل: هل بات الاتكاء على اللهجة مفتاحاً هاماً لكسب ود المشاهد القابض على "الريموت كونترول" والذي لا يتردد لحظةً واحدة في إقصاء هذه المحطة أو تلك انتقالاً إلى محطةٍ أخرى يجد فيها ما يقنعه ويمتعه؟!..

دراما سورية تعاين الواقع وتواكبه

لقد حققت الدراما السورية في السنوات القليلة الماضية حضوراً متميزاً ولافتاً، لكن المستغرب وغير المفهوم، هو عدم التمكن من استثمار هذا النجاح بالشكل الأمثل لصالح المشاهد والفنان السوريين على حدٍّ سواء.

فالمتابع يلحظ إصراراً غريباً من نوعه لدى البعض على انتهاج مبدأ الأجزاء المتعددة، وهي منهجية قد تنعكس سلباً على العمل الفني الناجح، وتحيله إلى "تكرار ممل" كما حصل في بعض الأعمال التي استبشرنا بها خيراً، والتي لم يحسن منتجوها قراءة الواقع بشكل جيد على ما يبدو "ضيعة ضايعة ج2 – أهل الرايةج2/شهامة الكبار – صبايا ج2- بقعة ضوء ج7".

إن البديل لما سبق هو دراما سورية تعاين الواقع وتواكبه وتعكس صورته كما في العديد من الأعمال "وراء الشمس – الخبز الحرام- الصندوق الأسود- ما ملكت أيمانكم- تخت شرقي" تقصي التهريج والتسويف وعمليات التجميل الفاشلة جانباً وتفتح الباب على مصراعيه لإنتاج فن سوري متميز وواقعي.

فورة درامية "رمضانية"

إن المشكلة الكبرى تتمثل في قناعة القائمين على إدارة المؤسسات الإنتاجية، والتي تتمثل في أن الموسم الرمضاني لا يمثل أولويةً فحسب، بل هو الفرصة الوحيدة المتاحة أمام هذه المؤسسات لتسويق أعمالها، هذا التسويق الذي بات يتم غالباً – وبكل أسف – قبل أن يجف حبر السيناريو المكتوب حسب الطلب!!.. وهكذا تتعطل غالبية عجلات الإنتاج على مدار السنة لتقلع من جديد في رمضان – أو قبله بقليل – لتنفيذ الكم الوافر من الأعمال، والتي يستمر إنجاز بعض حلقاتها الأخيرة بالتزامن مع عرض حلقاتها الأولى، ما يشكل ضغطاً كبيراً على المشاركين في العمل من ممثلين وفنيين ومخرجين على حد سواء.

إن لهذه "الفورة الدرامية الرمضانية" إيجابيات عديدة دون أدنى شك، ولكن؟!..أليس الأجدى بلورة "أجندة" إنتاجية تتوزع على مدار العام وتمكن من إنجاز أعمال متميزة بدلاً تقديم بعض الأعمال "مسلوقة" ودون المستوى المأمول؟!...

نضال حيدر

ليست هناك تعليقات: